فصل: بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

(يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إمَامُهُمْ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ كُلَّ تَرْوِيحَةٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَيَجْلِسُ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارَ تَرْوِيحَةٍ، ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ) ذَكَرَ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي تَرْكِهِ الْمُوَاظَبَةَ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا.
(وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ) لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْكِفَايَةِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ عَنْ إقَامَتِهَا كَانُوا مُسِيئِينَ، وَلَوْ أَقَامَهَا الْبَعْضُ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْجَمَاعَةِ تَارِكٌ لِلْفَضِيلَةِ، لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ.
وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ وَبَيْنَ الْوِتْرِ، لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، وَاسْتَحْسَنَ الْبَعْضُ الِاسْتِرَاحَةَ عَلَى خَمْسِ تَسْلِيمَاتٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.
وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُوتِرُ بِهِمْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ الْوِتْرِ، وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ وَقْتَهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ، قَبْلَ الْوِتْرِ وَبَعْدَهُ، لِأَنَّهَا نَوَافِلُ سُنَّتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَلَمْ يُذْكَرْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْخَتْمُ مَرَّةً، فَلَا يُتْرَكُ لِكَسَلِ الْقَوْمِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ الدَّعَوَاتِ، حَيْثُ يَتْرُكُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ.
(وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بِجَمَاعَةٍ فِي غَيْرِ) شَهْرِ (رَمَضَانَ) وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشرح:
فصلٌ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَاظَبُوا عَلَيْهَا يَعْنِي التَّرَاوِيحَ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الْعُذْرَ، فِي تَرْكِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَهُوَ خَشْيَةُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْنَا.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي التَّهَجُّدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْكُمْ، إلَّا أَنِّي خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «وَلَكِنْ خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ»، وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ: «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ»، انْتَهَى.
وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَامَ بِهِمْ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَوْتَرَ، ثُمَّ انْتَظَرُوهُ مِنْ الْقَابِلَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: خَشِيت أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ الْوِتْرُ»، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوِتْرِ.
وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْت مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْت هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ، لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْت مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ، يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، انْتَهَى.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تُرِكَتْ إلَى زَمَانِ عُمَرَ، بِدَلِيلِ أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوُهُ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
أَحَادِيثُ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً، سِوَى الْوِتْرِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْفَقِيهُ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ، فَقَالَ: «وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ»، وَهُوَ مَعْلُولٌ، بِأَبِي شَيْبَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ، جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، ثُمَّ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟، قَالَتْ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ، عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ، وَلَا يَنَامُ قَلْبِي»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي التَّهَجُّدِ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ عَشَرَ رَكَعَاتٍ، وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً: مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ»، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ، رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ: هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَبَقِيَّةُ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ الْجُمْلَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: مَوْقُوفٌ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْفَقِيهُ ثَنَا أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرِ، انْتَهَى.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَكَأَنَّهُ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ السُّنَنِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ بِزِيَادَةٍ.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً، انْتَهَى.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْمُوَطَّإِ: بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ: بِأَنَّهُمْ قَامُوا بِإِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ قَامُوا الْعِشْرِينَ، وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ، قَالَ: وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ، انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْرَادَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُمْ التَّخَلُّفُ يَعْنِي عَنْ التَّرَاوِيحِ ذَكَرَ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُرْوَةَ وَغَيْرِهِمَا، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَنَا فَهْدٌ ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثَنَا يُونُسُ، وَفَهْدٌ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَلَا يَقُومُ مَعَ النَّاسِ، ثَنَا يُونُسُ ثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْت أَبِي وَسَالِمًا وَنَافِعًا يَنْصَرِفُونَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا يُقِيمُونَ مَعَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ التَّرْوِيحَتَيْنِ مِقْدَارُ التَّرْوِيحَةِ، وَكَذَا بَيْنَ الْخَامِسَةِ، وَبَيْنَ الْوِتْرِ، لِعَادَةِ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ، قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلَّى الْوِتْرُ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.

.بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ:

(وَمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ يُصَلِّي أُخْرَى) صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ) إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ (وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ الْأُولَى بِالسَّجْدَةِ يَقْطَعْ، وَيَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ، هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ، وَهَذَا الْقَطْعُ لِلْإِكْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ، وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْجُمُعَةِ فَأُقِيمَ أَوْ خَطَبَ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّهَا (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى ثَلَاثًا مِنْ الظُّهْرِ يُتِمُّهَا) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، فَلَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ حَيْثُ يَقْطَعُهَا، لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرَّفْضِ، وَيَتَخَيَّرُ: إنْ شَاءَ عَادَ فَقَعَدَ وَسَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ قَائِمًا يَنْوِي الدُّخُولَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَإِذَا أَتَمَّهَا يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ، وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
(فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ.
(وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِّنَ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ».
قَالَ: (إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ تَرْكٌ صُورَةً تَكْمِيلٌ مَعْنًى (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرَ أَوْ الْعِشَاءَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً (إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عَيَانًا (وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ، وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ، أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ، يُرِيدُ الرُّجُوعَ».
قُلْت: رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرُّجُوعَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ بَعْدَ النِّدَاءِ، إلَّا مُنَافِقٌ،إلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ،وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرُوهُ، وَأَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»، انْتَهَى.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ مُسْنَدٌ، وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»، وَقَالَ: لَا تَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ، وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ، وَزَادَ فِيهِ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَلَا تَخْرُجُوا حَتَّى تُصَلُّوا»، انْتَهَى.
(وَمَنْ) (انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ) (إنْ خَشِيَ أَنْ تَفُوتَهُ رَكْعَةٌ وَيُدْرِكَ الْأُخْرَى يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ.
(وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَهُمَا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ، وَالْوَعِيدَ بِالتَّرْكِ أَلْزَمُ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ حَيْثُ يَتْرُكُهَا فِي الْحَالَتَيْنِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهَا فِي الْوَقْتِ بَعْدَ الْفَرْضِ، هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي تَقْدِيمِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَتَأْخِيرِهَا عَنْهُمَا، وَلَا كَذَلِكَ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَدَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: حَدِيثُ الْوَعِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ.
قُلْت: كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ: الْجَمَاعَةُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، مَعَ غَيْرِهِ، وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْأَفْضَلُ فِي عَامَّةِ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ الْمَنْزِلُ، هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: «احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ، فَصَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَالِيَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ أُنَاسٌ، وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمْ: مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ؟ وَفِي آخِرِهِ: فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، مُخْتَصَرًا، فَلَفْظُ أَبِي دَاوُد: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْآخَرِينَ: أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ، فِي بُيُوتِكُمْ، إلَّا الْمَكْتُوبَةَ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ فِي الْعِلْمِ الْمَشْهُورِ: وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ يَرَى صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ فِي الْبُيُوتِ، وَأَنَّهَا لَا تُقَامُ جَمَاعَةً بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَأَخَذَ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عُمَرَ، أَنَّهُ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَبِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ، قَالَ: فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ حِبَّانَ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ وَكَمْ صَحَّحَ فِيهِ مِنْ سَقِيمٍ، وَمَرَّضَ مِنْ صَحِيحٍ، انْتَهَى.
وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْهُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَيُنْظَرُ الصَّحِيحَانِ.
فَائِدَةٌ: قَدْ يُعَارَضُ هَذَا الْحَدِيثُ بِحَدِيثِ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي غَيْرِ مَسْجِدِي هَذَا»، يَدُلُّ عَلَى لَفْظِ أَبِي دَاوُد الْمُتَقَدِّمِ: «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا»، وَنَظِيرُ هَذَا، حَدِيثُ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً»، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، مَعَ حَدِيثِ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إلَى اللَّهِ، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، قَالُوا: يَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فَيُحْمَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِ عَلَى الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَقَطْ، وَيُسْتَأْنَسُ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا، مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، يُعْدَلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ» انْتَهَى.
أَخْرَجُوهُ فِي الصَّوْمِ إلَّا الْبُخَارِيَّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «لَمْ يُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ»، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى، فَإِنَّ بَعْضَ الْحُفَّاظِ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ لَمْ تَعْلَمْ بِصِيَامِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ لِتِسْعِ نِسْوَةٍ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ صِيَامُهُ فِي نَوْبَتِهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ: لَمْ يُرَ، مَبْنِيَّةً لِلْفَاعِلِ، لِتَتَّفِقَ الرِّوَايَتَانِ، عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْمُثْبِتِ أَوْلَى مِنْ حَدِيثِ النَّافِي، وَقِيلَ: إذَا تَسَاوَيَا فِي الصِّحَّةِ، يُؤْخَذُ بِحَدِيثِ هُنَيْدَةَ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ هُنَيْدَةَ عَنْ امْرَأَةٍ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَأَوَّلُ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْخَمِيسَ»، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هُنَيْدَةَ، فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَا، وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمَّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، مُخْتَصَرًا، انْتَهَى.
قَالَ: (وَإِذَا فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لَا يَقْضِيهِمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ.
(وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ، فَبَقِيَ مَا رَوَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا تُقْضَى تَبَعًا لَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ أَوْ وَحْدَهُ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَفِيمَا بَعْدَهُ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا سَائِرُ السُّنَنِ سِوَاهَا فَلَا تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ وَحْدَهَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ»، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِقَضَائِهَا، تَبَعًا لِلْفَرْضِ.
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَمِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «عَرَّسْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِيَأْخُذْ كُلُّ إنْسَانٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ، قَالَ فَفَعَلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِالْمَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ» انْتَهَى.
فَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ، وَتَأْتُونَ الْمَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، إلَى أَنْ قَالَ: فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّرِيقِ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ، قَالَ: فَقُمْنَا فَزِعِينَ ثُمَّ قَالَ: ارْكَبُوا فَرَكِبْنَا، فَسِرْنَا، حَتَّى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِمِيضَأَةٍ، كَانَتْ مَعِي، فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: احْفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَتَك، فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ»، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: وَقَدْ رَوَاهُ خَالِدُ بْنُ سُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ مِنْ غَدَاةٍ، فَلْيُصَلِّ مَعَهَا مِثْلَهَا»، هَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَلَمْ يُتَابَعْ خَالِدٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعَهُ، وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الصَّحِيحُ فِيهِ: «فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدَاةِ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا»، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ خَالِدٌ عَلَى الْوَهْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَيَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الرِّبَا، وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ»، كَمَا سَيَأْتِي، وَنَسَبَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ الْوَهْمَ فِيهِ لِلرَّاوِي عَنْ خَالِدٍ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَيْهَقِيّ، فَلْيُرَاجَعْ، وَسُمَيْرٌ: بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، وَرَبَاحٌ: بِالْمُوَحَّدَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي مِخْبَرٍ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ صُلَيْحٍ عَنْ ذِي مِخْبَرٍ الْحَبَشِيِّ وَكَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: «فَتَوَضَّأَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءًا لَمْ يَلْثَ مِنْهُ التُّرَابُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، غَيْرَ عَجِلٍ، ثُمَّ قَالَ لِبِلَالٍ: أَقِمْ الصَّلَاةَ، ثُمَّ صَلَّى، وَهُوَ غَيْرُ عَجِلٍ»، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ، وَإِعَادَتُهُ الرَّكْعَتَيْنِ، لَمْ يُخْرِجَاهُ، انْتَهَى.
قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ: وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلَيْسَ فِي سَمَاعِ، الْحَسَنِ مِنْ عِمْرَانَ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، وَابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُمَا قَالَا: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَيْضًا إنَّهُ قَالَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا، وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ بِلَالٌ: أَنَا، فَاسْتَقْبَلَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، فَمَا أَيْقَظَهُمْ إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَقَامُوا، فَأَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوْا الرَّكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّوْا الْفَجْرَ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ، فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، قَالَ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى، وَالْفَضْلُ بْنُ سُهَيْلٍ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ بِلَالٍ، فَذَكَرَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْأَسَدِيُّ ثَنَا أَبِي عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كُنْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: مَنْ يَكْلَؤُنَا اللَّيْلَةَ؟ فَقُلْت: أَنَا، فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ، فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ عَارِيَّةٌ فِي أَجْسَادِ الْعِبَادِ، يَقْبِضُهَا وَيُرْسِلُهَا إذَا شَاءَ، فَاقْضُوا حَوَائِجَكُمْ عَلَى رِسْلِكُمْ، فَقَضَيْنَا حَوَائِجَنَا عَلَى رِسْلِنَا، وَتَوَضَّأْنَا، وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ صَلَّى بِنَا» وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَنَسٍ إلَّا عُتْبَةُ. انتهى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْبُخَارِيُّ الْمُقْرِي بِالْكُوفَةِ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَسْبَاطٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: عَرِّسْ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: مَنْ يُوقِظُنَا؟ فَقُلْت: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنِمْتُ، وَنَامُوا، فَمَا اسْتَيْقَظْنَا إلَّا بِحَرِّ الشَّمْسِ فِي رُءُوسِنَا، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرُ» انْتَهَى.
وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: «وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَيْقَظَنَا، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ، فَهَكَذَا لِمَنْ نَامَ، أَوْ نَسِيَ». انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقِ بْنِ بُكَيْر ثَنَا حَرْبِيُّ بْنُ حَفْصٍ ثَنَا صَدَقَةُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ، فَنِمْنَا عَنْ الصَّلَاةِ، صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنًا فَأَذَّنَ، كَمَا كَانَ يُؤَذِّنُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ»، انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّلُولِيِّ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَبِيهِ، وَاسْمُهُ: مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ السَّلُولِيُّ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَسْرَيْنَا لَيْلَةً، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ، نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَامَ، وَنَامَ النَّاسُ، فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إلَّا بِالشَّمْسِ قَدْ طَلَعَتْ عَلَيْنَا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّنَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ، فَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا مَا هُوَ كَائِنٌ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، انْتَهَى.
(وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً وَلَمْ يُدْرِكْ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِجَمَاعَةٍ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ أَدْرَكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ آخِرَ الشَّيْءِ فَقَدْ أَدْرَكَهُ، فَصَارَ مُحْرِزًا ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا بِالْجَمَاعَةِ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ: لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ: لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ أَتَى مَسْجِدًا قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ قَبْلَ الْمَكْتُوبَةِ مَا بَدَا لَهُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ) وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضِيقٌ تَرَكَهُ، قِيلَ: هَذَا فِي غَيْرِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْفَجْرِ لِأَنَّ لَهُمَا زِيَادَةَ مَزِيَّةٍ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ «صَلُّوهَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ».
وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي» وَقِيلَ: هَذَا فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِجَمَاعَةٍ، وَلَا سُنَّةَ دُونَ الْمُوَاظَبَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتْرُكَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتِ الْفَرَائِضِ، إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ: «صَلُّوهَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَدِينِيِّ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ سِيلَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ»، انْتَهَى.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ، وَيُقَالُ: عَبَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ بِثَبْتٍ، وَلَا بِقَوِيٍّ، وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلَتْ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَمْ يَحْمَدُوهُ فِي مَذْهَبِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا، فَنَفَوْهُ مِنْ الْمَدِينَةِ، فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ، فَلَا بَأْسَ بِهَا، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَابْنُ سِيلَانَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ، بَعْدَهَا آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ، وَآخِرُهُ نُونٌ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ رَبِّهِ، هَكَذَا جَاءَ مُسَمًّى فِي بَعْضِ طُرُقِهِ، وَقِيلَ: هُوَ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد: وَابْنُ سِيلَانَ، هَذَا هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ، وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ ابْنِ سِيلَانَ، وَلَا يُدْرَى أَهُوَ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ، أَوْ جَابِرُ بْنُ سِيلَانَ؟ فَجَابِرُ بْنُ سِيلَانَ يَرْوِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَقَالَ: يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيِّ: رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَلَى هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي الْإِسْنَادِ جَابِرًا، وَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ، وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سِيلَانَ أَيْضًا مَدَنِيٌّ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ الْفَرَضِيِّ، وَغَيْرُهُمَا، وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَحَالُهُ مَجْهُولٌ، لَا يُعْرَفُ، وَأَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: عَبَّادُ الْمُقْرِي، قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ: سَأَلْت عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَحْمَدُوهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: رَوَى أَحَادِيثَ مُنْكَرَةً، انْتَهَى كَلَامُهُ وَمِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ: تَقَدَّمَ بَعْضُهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْر أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ»، انْتَهَى.
أَخْرَجَاهُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْهَا أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ عَنْهَا أَيْضًا، قَالَتْ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسِيطِ عَنْ هَدِيَّةَ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي، وَيَدَعُ، وَلَكِنِّي لَمْ أَرَهُ يَتْرُكُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فِي سَفَرٍ، وَلَا حَضَرٍ، وَصِحَّةٍ وَلَا سَقَمٍ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا فُضَيْلٍ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ»، مُخْتَصَرٌ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ تَرَكَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ، لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي».
قُلْت: غَرِيبٌ جِدًّا.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاظَبَ عَلَيْهَا يَعْنِي السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَكْتُوبَاتِ بِالْجَمَاعَةِ».
قُلْت: هَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الرَّوَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّوَافِلِ، إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْفَرْضِ، بَعْدَ الشَّمْسِ.
(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي رُكُوعِهِ فَكَبَّرَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ لَا يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ) هُوَ يَقُولُ: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْقِيَامِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي حَقِيقَةِ الْقِيَامِ، وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يُوجَدْ لَا فِي الْقِيَامِ وَلَا فِي الرُّكُوعِ.
(وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ فَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِ جَازَ).
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ، فَكَذَا مَا يَبْنِيهِ عَلَيْهِ، وَلَنَا أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْمُشَارَكَةُ فِي جُزْءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.